“المجتمعات تحكم على مدى استحقاق النساء للأمان والسلامة بالنظر إلى مدى التزامهن بالمعايير الاجتماعية السائدة حول ملابسهنّ”. فالنساء اللواتي لا يلتزمن بما يعتبر “محتشماً”، يفقدن “الحماية الأبوية.” ويتمّ النظر إليهنّ، في غالب الأوقات، على أنهنّ “يستحققنّ” العقاب والتأديب. فمعيار الحشمة هو معيار اجتماعي مجندر تنشأ النساء على الالتزام به منذ طفولتهنّ، دون الرجال. هذا ما وجده بحث نوعي قمت بإعداده بدعم من منظمة اوكسفام الدولية.
يسلط البحث على قضية العنف المسلط على النساء بسبب خيارتهن في اللباس. استند البحث على مقابلات معمّقة مع ستين امرأة من ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي العراق، والأردن، ولبنان، وفلسطين، ومصر، وتونس، وتناول المعايير الاجتماعية السائدة حول الحشمة والاحترامية التي تضبط وتنظم لباس النساء ومظهرهنّ.
وبحسب النتائج فإن كانت النساء لا يختبرن العنف بالدرجة نفسها، إلا أنّ القيود التي تفرضها المعايير الاجتماعية على لباسهنّ، واختبارهنّ للعنف على هذا الأساس، يشكّل ظاهرة مشتركة في حياة كلّ من النساء اللواتي شاركن في البحث من البلدان الستة المختلفة. فقد أجمعت المشاركات الستون، دون استثناء، على تعرضهنّ لواحد أو أكثر من أشكال العنف بسبب ما يصوّر على أنه عدم تقيّدهنّ بالمعايير الاجتماعية حول اللباس.
وغالباً ما تقوم المؤسسات التي يتوقع من النساء اللجوء إليها للاحتماء، إمّا بممارسة العنف بشكل مباشر، أو التسامح معه وتبريره. ممّا يكشف أن هذا العنف هيكلي وليس مشكلة طارئة أو استثنائية. فقد أشارت المشاركات إلى أن مسؤولية عائلاتهنّ تقضي في المقام الأول في “بَوْلسة” مظهرهنّ ولباسهنّ وصولاً إلى تأديبهنّ في حال كسرهنّ لقواعد الاحترامية في الملبس. كما أشارت غالبية المشاركات إلى عدم ثقتهنّ في البنى المؤسسية والقانونية، وتردّدهنّ لناحية جدوى لجوئهنّ للتبليغ متى تعرّضن للعنف.
وتحدّ المعايير الاجتماعية السائدة حول “الحشمة” وما يعتبر مظهراً “محترماً”، من قدرة النساء على المشاركة الفعّالة في الفضاء العام والتنقل فيه بحرية وأمان. كما يساهم الخطاب الديني السائد، بشكل أساسي، في إنتاج، وإعادة إنتاج المعايير الاجتماعية الذكورية حول لباس النساء ويبرّر العنف الممارس ضدهنّ.
هذا، ووجد البحث أنّ النساء يتعرّضن، على خلفيّة ملابسهنّ، إلى أشكال مختلفة من العنف المحدد والصريح. وتكمن خطورة الآثار التراكمية للاعتداءات المحددة المرتبطة باللباس، في وضع النساء في حالة شبه دائمة من المراقبة الذاتية، والتحفّز، والحدّ من مشاركتهنّ الكاملة في الحياة العامة. وتبيّن السرديات أن غالبية أشكال العنف الصريح بحجة الملبس، ترافقت إمّا مع محاولة فرض الحجاب قسريّاً على النساء، أو في إطار تأديبهنّ بسبب تخلّيهنّ عنه. وكانت النساء الأكثر تعرّضاً للعنف الصريح، من بين الأصغر سنّاً، ممن لا يتمتعن بموارد اقتصادية مستقلّة أو كافية، وممن يعشن مع عائلاتهنّ، وأحياناً في جوار عائلاتهن الممتدة،.
وبينّ البحث كيف أن الطبقية والعمر والهوية الجندرية تلعب دوراً في اختلاف تجارب النساء مع العنف. فقدرة بعض النساء على اقتناء سيارة خاصة، أو على دفع أجرة خدمة “النقل حسب الطلب”، تجنّبهنّ إلى حدّ كبير، التحرش في الشارع مثلاً. وتزيد من قدرتهنّ على التحرّر النسبي من الرقابة المجتمعيّة في أن يلبسن ما يشأن. كما أن النساء المتوافقات النوع الاجتماعي والمتواجدات في مناطق “محمية طبقياً”، غير المضطرات إلى التنقل سيراً، أو غير المعتمدات على المواصلات العامة، تكون فرص تعرضهنّ للعنف اليومي، أقلّ من نظيراتهنّ القاطنات في أماكن أكثر فقراً، ومن ذوات الهوية الجندرية غير المعيارية، والأقل تمتعاً بموارد مالية تمكّنهنّ من مغادرة سياقات عنيفة.
وتوضح قصص المشاركات الكلفة الباهظة على الصعيدين النفسي والاقتصادي، للعنف الممارس ضد النساء، والمتصل بالمعايير السائدة حول الملبس. فالقيود على أساس الملبس والعنف تودي ببعض النساء لتجنّب الأماكن العامة قدر الإمكان، وللتفكير مرتين في ملابسهنّ، وصولاً إلى الأحذية التي ينتعلنها في حالة اضطرارهنّ للنجاة من العنف في الشارع. وأشارت غالبية المشاركات من جميع البلدان المشمولة بالبحث، إلى محاولتهنّ تجنّب استخدام المواصلات العامة في تنقلهنّ لإحساسهنّ بعدم الأمان فيها.
هذا، وبيّن البحث التبعات الاقتصادية المكلفة للرقابة على ملبس النساء والعنف ضدهنّ. فهي تؤثر على شكل مشاركة النساء، وتَطبَع تجاربهنّ في سوق العمل. فقد أفادت بعض المشاركات عن تعرضهنّ للتمييز في سوق العمل بناء على الحكم عليهنّ من خلال ملابسهنّ ومظهرهنّ. كما أشارت مشاركات إلى أن ضريبة عدم انصياعهنّ لمعايير اللباس السائدة، كانت حرمانهنّ أو التهديد بحرمانهنّ من التعليم.
ويتوقف البحث عند مقاومة النساء اليومية لهذه القيود. ويبيّن كيف أن هذه المقاومة تبرز من خلال مثلاً، لبس النساء ما يحلو لهنّ خفية وخلسة عن أعين العائلة والمحيط؛ ومحاولة تجنّب وتفادي الأقارب المتطفّلين؛ والكتابة المجهّلة حول تجاربهنّ مع مثل هذه القيود. وتضمّنت مقاومة النساء اليومية سياسة “مسايرة” المعايير الاجتماعية في ملابسهنّ، ضمن استراتيجيتهنّ لـ”التفاوض مع الأبويّة.” ولاحظ البحث أخيراً، كيف تقاوم النساء العابرات بأجسادهنّ التي تشكّل بذاتها، تمرّداً مستمراً على الحدود والقيود التي يضعها النظام الأبوي.