عندما تذكر الحقوق الجنسية والانجابية يتبادر على ذهن الناشطات والناشطين مئات المشاريع الممولة التي انطلقت في منطقتنا بعد مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 والتي هدفت وسعت حثيثا للتركيز على الحقوق الإنجابية، وتباعد الولادات وتنظيم الأسرة وتحديد النسل. الحراكات النسوية الأكثر جرأة في ذلك الوقت سعت للنضال ضد تشويه الأعضاء التناسلية وبالتالي ارتبطت هذه الحقوق بقضايا الصحة وتقديم الخدمات للنساء الحوامل، وتقديم خدمات منع الحمل وغيرها. في الغالب سعت هذه المشاريع لخدمة مصالح ليبيرالية تنظر للنساء من منظور دورهن الانجابي، ودون نظرة نقدية لهذا الدور وفي تماهي مع الأدوار التي يقبلها المجتمع للنساء. ظلت هذه الخدمات تقدم في ظل جهل كبير حتى للقضايا الفسيولوجية والسيكولوجية لأجسام النساء وفي ظل اجندات تنموية ليبرالية ترى في تحديد النسل حلاً للتحديات التنموية وانتشار الفقر والمجاعات. لذا تم دوما التركيز على الجانب الانجابي والصحي من هذه الحقوق دون التطرق اطلاقاً للحقوق الجنسية والتي ظلت منطقة نقاش محرمة وممنوعة وتعتبر مواضيع في الحيز الخاص ولا يجب مناقشتها اطلاقا في الحيز العام.
الهروب للأمام وعدم مواجهة قضايا تعتبر “شائكة” وخلافية وتمس النسيج المجتمعي، والأعراف المجتمعية، بل وتؤدي لمواجهات مع رجال الدين ومع المجتمعات المحافظة، كان سمة الكثير من الحراكات النسوية، التي اعتبرت أن المجتمع عير جاهز لنقاش هذه المواضيع، وأن هناك أولويات أخرى أهم، على سبيل المثال المشاركة السياسية والاقتصادية للنساء، ومشاركة المرأة في صنع القرار، وفي بعض الأماكن حصول المرأة على التعليم، أو التصدي للتزويج المبكر. ولكن التجربة أثبتت أن الهروب للأمام لا يجدي. فمشاركة المرأة في أي مجال من مجالات الحياة سواء كنت سياسة ـأو اقتصاد أو مواقع صنع قرار تبقى هامشية ما لم تستطيع المرأة السيطرة على جسدها، وما لم يتم الاعتراف بحقوقها الجنسية والانجابية كاملة مع ما يتطلبه الامر من تغيير في طريقة تفكير الأفراد والمجتمعات، وتغيير في الأعراف المجتمعية التي تعزز دونية المرأة وتحصر دورها في الدور الانجابي، وبدون أن يتم تحدي الأفكار النمطية عن هذه الحقوق والتي تحصرها بالسيطرة على عدد المواليد وليس بترك الحرية للنساء لتحديد ما يردن، بما في ذلك كيفية التعبير عن هوياتهن وشخصياتهن، وشركاء الحياة وطريقة اللباس وغيرها.
الحقوق الجنسية والانجابية هي الحقوق الأساسية التي تكسر الفصل الليبرالي الاستعماري بين ما هو خاص وما هو عام وهي الحقوق التي تتعلق بتحرير الأفراد والمجتمعات من الأفكار والأدوار النمطية. لذا ينبغي أن يتم التفكير بها كحجر أساس للنضال النسوي حول العالم ككل وفي منطقتنا على وجه التحديد انطلاقا من أن
- لا حرية ولا حقوق للنساء دون سيطرتهن الكاملة علي أجسادهن وهوياتهن الجندرية: فالمرأة التي لا تملك حق تقرير المصير لجسدها سيبقى دورها محدوداً ومنقوصاً وستظل تعاني من السقوف الزجاجية التي
- لا انجاز للحركات النسوية في مجالات الحقوق والحريات الأخرى مادامت النساء لا يجدن الأمان في أجسادهن وفي الحيز الخاص المتعلق بحقوقهن الجنسية: الحقوق الجنسية والانجابية قد تبدو حقوقا فردية ولمن أثارها الجمعية أعمق بكثير، حيث تشكل تغييرا في النظرة المجتمعية للنساء.
- الحركات النسوية التي تقوم على قبول التنوع والاختلاف يجب أن تحتفي بهذا التنوع: من حق النساء أن يقررن هويتهن الجنسية، وطريقتهن في التعبير عن هذه الهويات دون قولبة أو افتراضات مسبقة.
- الحقوق الجنسية والانجابية صمام الأمان من جميع أشكال العنف والتمييز: الاعتراف بهذه الحقوق داخل الحركة النسوية وفي المجتمعات يساهم في خلق بيئة أكثر أمنا للتعبير عن الشخصي والسياسي وعدم استخدام أجساد النساء كأداة من أدوات السيطرة والهيمنة.