الدورة الشهرية بين النزوح ونقص الماء والفوط الصحية

تحت وطأة النيران وقهر النزوح  والم الحرب في قطاع غزة ، تعيش سالي  فتاة غزية في العشرينات من العمر، أجبرتها الحرب على ترك منزلها والعيش في مركز إيواء “مدرسة”  حيث تتشارك فيها  مئات العائلات دورات المياه بالرغم من إفتقارها لأدنى مقومات النظافة  وسط جملة من التحديات الأنثوية   كان أبرزها بنسبة لها “النقص الحاد في المياه والفوط الصحية ” حتى أصبح يشكل موعد الدورة الشهرية لسالي “كابوس” يعقبه تفكير مرهق في البحث عن بدائل للفوط الصحية ، اضطرت سالي الى استخدام بعض الوسائل البدائية مثل “الاقمشة البالية ،وبعض الأحيان حفاضات الاطفال ” في وقت يعتبر المقدرة على توفير هذه الوسائل ليس سهلاً، لم تقف المشكلة عند ذلك الحد بل وجدت نفسها أمام  تحديً  أخر و  هو صعوبة الحصول على الماء الكافي لنظافة الجسد في هذه الفترة التي تتطلب اغتسال مستمر، ما يزيد الأمر سوءاً هو ان عليها انتظار دورها في طابور الحمام المشترك الامر الذي يعدم الراحة والخصوصية

لذلك قررت سالي كغيرها استخدام حبوب منع الحمل التي لتأخير الدورة الشهرية  والتخلص لو من جزء بسيط من هذه المشكلة رغم أثارها الجانبية

حال سالي يشبه حال الاف النساء الغزيات الذي يمثل قدوم الدورة الشهرية وسط هذه الحرب، معركة نفسية قاسية ومشكلة وتفكير واضرار صحية بالغة

حيث يوجد في غزة حوالي 690000 امرأة وفتاة مراهقة في سن الحيض يفتقدن الماء ومنتجات النظافة الصحية اثناء فترة الحيض

 فكيف تواجه النساء الدورة الشهرية في خضم المعركة؟

تواجه النساء في غزة، في ظل الحرب، تحديات شديدة تؤثر على حياتهن اليومية وصحتهن، بما في ذلك إدارة الدورة الشهرية. نقص الفوط الصحية والماء ومستلزمات النظافة يخلق أزمة إنسانية صعبة، تتطلب استجابة شاملة تستند إلى الأدلة العلمية لفهم الأضرار الصحية والنفسية التي تترتب على هذه الظروف القاسية.

 نقص الفوط الصحية: الأثر الصحي

تؤدي أزمة نقص الفوط الصحية إلى الاعتماد على بدائل غير مناسبة مثل قطع القماش  أو “ورق التواليت”. الدراسات تشير إلى أن استخدام مثل هذه البدائل يمكن أن يزيد من مخاطر التهابات المهبل، والتي تشمل التهابات الفطريات والبكتيريا. وفقًا لدراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية، يمكن أن تؤدي هذه الحالات إلى متلازمة الصدمة السمية، وهي حالة خطيرة ناتجة عن نمو البكتيريا في بيئة غير نظيفة، تؤدي إلى مضاعفات صحية شديدة تشمل الحمى، الطفح الجلدي، والصدمة.

حتى اتجاه بعض النساء الى استخدام حبوب منع الحمل لتأخير الدورة الشهرية وتغيير موعدها دون اشراف طبي هو خيار محفوف بالمخاطر ومن الممكن ان يؤدي الى تغيير في الهرمونات ومشاكل في الجهاز الهضمي و ومشاكل صحية إضافية .

 ندرة الماء وصعوبات النظافة: الأضرار الصحية

يعاني قطاع غزة من نقص حاد في المياه  بالإضافة الى تلوث المياه بسبب تسرب مياه الصرف الصحي لمياه الابار التي تعتبر احدى مصادر المياه الرئيسية في الوقت الراهن هي و مياه البحر التي أصبحت مصرف لمياه الصرف الصحي في ظل تدمير الاحتلال البنية التحتية ونظرًا لوجود معظم خيام النازحين في المناطق المتاخمة للبحر التي أصبحت مصدر يعتمد عليه الكثيرون رغم تلوثها وملوحتها الشديدة الا ان مياه البحر تعد مصدر مياه لنازحين ، تستخدم النساء والفتيات مياه البحر كوسيلة للاغتسال وتنظيف المنظفة التناسلية من ما يؤدي في غالب الامر الى حدوث التهابات مهبلية

الحفاظ على النظافة الشخصية، وهو أمر حيوي خلال الدورة الشهرية. حيث ان الأبحاث العلمية تفيد بأن ندرة الماء تزيد من خطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية (UTIs)، حيث أن عدم القدرة على توفير الفوط للصحية و الحفاظ على نظافة الملابس الداخلية في ظل افتقار وجود المنظفات وقلة المياه في قطاع غزة وارتفاع سعرها ان وجودت يمكن أن يؤدي إلى تراكم البكتيريا والفيروسات.  بحسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا تشير إلى أن التهابات المسالك البولية هي أحد المضاعفات الشائعة التي تعاني منها النساء في المناطق التي تعاني من نقص حاد في الماء.

التأثير النفسي على الصحة الجسدية

تعيش النساء والفتيات حالة خوف واكتئاب وتفكير مستمر في وسط الظروف الصعبة التي نعيشها من قتل وتدمير ونزوح مستمر حيث تؤثر الضغوط النفسية   على الصحة الجسدية للنساء بشكل ملحوظ.  وفقًا لدراسة نشرت في مجلة “الطب النفسي”، فإن التوتر والقلق يمكن أن يؤديان إلى اضطرابات الحيض مثل النزيف المفرط أو عدم انتظام الدورة. كما أن الأبحاث العلمية توضح أن التوتر المزمن يمكن أن يؤثر على مستويات الهرمونات في الجسم، مما يفاقم من الأعراض المصاحبة للدورة الشهرية، بما في ذلك  الألم المبرح والتغيرات المزاجية. كل ذلك يأتي في وقت تعاني النساء والفتيات من قلة وجود الفوط الصحية والماء مما يزيد الأعباء النفسية

إدارة الدورة الشهرية في غزة: استراتيجيات فعّالة للتعامل مع التحديات

تواجه النساء في قطاع غزة تحديات صحية جسيمة بسبب الأزمات الإنسانية المستمرة، خاصةً فيما يتعلق بإدارة الدورة الشهرية. النقص الحاد في المياه وتلوثها، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية، يجعل من الصعب على العديد من النساء الحفاظ على النظافة الشخصية والتمتع بصحة نفسية جسدية جيدة خلال هذه الفترة. لمعالجة هذه التحديات بفعالية، يجب تبني استراتيجيات مدروسة تستند إلى الأدلة العلمية. في هذه المدونة، نستعرض أبرز الاستراتيجيات التي يمكن أن تسهم في تحسين الظروف الصحية للنساء في غزة:

  1. تأمين المستلزمات الضرورية

تحتاج جهود الإغاثة إلى تكثيف العمل لضمان توفر الفوط الصحية والمستلزمات الأخرى للنساء بناءً على بيانات دقيقة عن احتياجاتهن. لذلك توصي منظمة الصحة العالمية في دراساتها، بتوفير دعم مستدام من خلال توزيع منتظم للقوط الصحية هذا يضمن وصول هذه المواد إلى السيدات ويخفف من الضغوط الصحية الناجمة عن نقص الإمدادات.

  1. تحسين الوصول إلى الماء

تحسين الوصول إلى مصادر المياه النظيفة والمستدامة يعد حلاً أساسياً للحد من المخاطر الصحية. لان توفير مياه نظيفة يمكن أن يقلل بشكل كبير من مخاطر التهابات المهبلية والمسالك البولية والمشكلات الصحية الأخرى. لذا فإن تعزيز البنية التحتية للمياه وتوفير حلول مستدامة أمر ضروري لتحسين صحة النساء في غزة خاصة اثناء فترة الدورة الشهرية.

  1. الدعم النفسي

الأزمات والضغوط النفسية تلعب دوراً كبيراً في تأثير الصحة العامة. تقديم الدعم النفسي لنساء في ظل النزوح والقصف  يمكن أن يساهم فيالتعامل اللازم وبالشكل الصحي مع التوتر والقلق، مما ينعكس إيجاباً على الصحة البدنية. الأبحاث تشير إلى أن الدعم النفسي الفعّال يقلل من التأثيرات السلبية للتوتر ويعزز الرفاهية الشخصية.

  1. تعزيز الرعاية الصحية

دعم المرافق الصحية لتقديم الرعاية المتكاملة وفقاً لأحدث الإرشادات الطبية يساعد في معالجة المشكلات الصحية المرتبطة بالدورة الشهرية وضمان تقديم العلاج المناسب. تحسين جودة الرعاية الصحية يساهم في تلبية احتياجات النساء الصحية في ظل هذه الظروف الكارثية، مما يعزز من قدرتهن على التعامل مع التحديات الصحية بشكل أفضل.

 

يجب المضي قدمًا في تطبيق هذه الإستراتيجيات، فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة حتى هذه اللحظة ومعاناة وتحديات النساء تتفاقم في إدارة الدورة الشهرية، حتى البحث عن بدائل يعرض النساء لمخاطر صحية إضافية وهذا ما يستدعي وقفة جادة من المؤسسات الاغاثية لتوفير الدعم للازم والمواد الصحية

هذه المعاناة قد لا تتوقف عند النساء والفتيات في غزة فهي ممكن أن تشمل جميع مناطق النزاع في العالم، لذلك يجب ان يكون هناك استجابة دولية منسقة لضمان تلبية احتياجات المرأة في أوقات الأزمات، حيث ان ضمان توفير الفوط الصحية هي جزء من الحفاظ على كرامة المرأة وهي مسؤولية جماعية تتطلب تضامناً عالمياً وشعوراً عميقاً بالمسؤولية الاجتماعية الإنسانية