يعتقد الكثير من الرجال والنساء بأن مفهوم الصحة الإنجابية يتعلق بالنساء وحدهنّ نظرًا لأدوارهن البيولوجية خلال الحمل والولادة، ولكن يعتبر هذا الاعتقاد خاطئ بالمطلق، لأن الصحة الإنجابية تشمل كلا الجنسين، ويوجد العديد من المفاهيم الخاطئة التي لا بد من العمل عليها وتصحيحها بين مجموعات الرجال والنساء أيضًا.
كما إن الفهم الخاطئ لدى الجنسين يتولد منذ لحظة تلقيهم تعليمهم وخاصة منذ اللحظات الأولى لتشكل الوعي لديهم، وسط الدوائر والفضاءات المغلقة في المجتمع المحيط بهم، مثل البيت، والمدرسة، والفضاءات الأخرى.
إن الكثير من عيادات تنظيم الأسرة والأمومة لا تستقبل سوى فئة النساء، وقد لا يوجد رجال يراجعون هذه العيادات، لإيمانهم الراسخ بأن عيادات الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة على مختلف مسمياتها تتعلق بالنساء وحدهنّ، وبالتالي شأن لا يتعلق بهم؛ بالرغم من أن عملية تنظيم الأسرة والطفولة، هي عملية مشتركة ما بين الرجال والنساء، لذا يكثر الفهم الخاطئ لتنظيم الأسرة، وقد لا تقوم بعض النساء بنقل الصورة الصحيحة للرجال، مما يؤدي إلى خلل في العملية بمختلف جوانبها.
بالإضافة إلى أن الرجال يعتقدون بأن استخدام وسائل وأدوات تنظيم الأسرة هي وسائل نسائية لا تتعلق بهم، ولا يستخدمونها بالمطلق، وقد يسمعون عنها من خلال قنوات غير طبية، وغير علمية، مما يؤدي إلى عدم حصولهم على المعلومات والخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية، والحق في اتخاذ القرارات المتعلقة في تنظيم وتحديد شكل الأسرة بشكل جمعي.
مجالات الصحة الإنجابية لدى الرجال لا تقتصر فقط على وسائل تنظيم الأسرة فقط، بل تشمل العديد من المجالات، والتي يعتقد الكثيرون أنها لا تندرج أسفل هذا التصنيف، مثل: مشاكل البروستات، العقم، ضعف الانتصاب، والأمراض المنقولة جنسيًا والتوعية بها وكيفية تجنبها عند ممارسة العلاقة الجنسية، أو الدافع والرغبة الجنسية، وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالصحة الإنجابية لدى الرجال؛ كما أن الكثير من الرجال والنساء، ما يعتقدون بأن عملية تحديد جنس المولود تحددها النساء، ويلقون اللوم عليها عند تكرار إنجاب الاناث، وقد يكون بعض الرجال على فهم ووعي بأنهم مسؤولون بشكل مباشر عن تحديد الجنس، إلا أن تعمد الفهم الخاطئ قد يعفيهم من المسؤولية الاجتماعية والثقافية في تحديد الجنس.
بالرغم من أن المفاهيم الخاطئة منتشرة لدى الرجال عن الصحة الإنجابية وبشكل خاص فيما يتعلق بعملية الانجاب، الحمل، والولادة؛ ولكن تقوم الكثير من النساء بتأييد منظومة المفاهيم الخاطئة وتعمل على انتاجها باستمرار، وتعيد إنتاجها لأجيال لاحقة.
وبإلقاء نظرة واسعة على أبرز الأسباب التي تجعل من الرجال والنساء يعيدون إنتاج مفاهيم الصحة الإنجابية بشكل خاطئ بين الأجيال، تبرز الأسباب الثقافية والاجتماعية بالدرجة الأولى؛ التي تكرس الصورة النمطية في أن الصحة الإنجابية ومفاهيمها شأن النساء لوحدهنّ، وقد تغيب مناقشات الصحة الإنجابية بصورتها العلمية الصحية بين المجموعات في المجتمعات، وإن حاول البعض بإبداء آرائهم، تكون هذه الآراء بصورة سرية تامة، تغيب عنها أدنى المستويات العلمية.
إن الأسباب الثقافية والاجتماعية تنقلنا إلى أبرز أهم الأسباب في عدم طرح هذه المواضيع في المجتمعات، وهو السبب المتعلق بنقص التوعية والتعليم، وشح المؤسسات التي تقدم توعوية في مجالات الصحة الإنجابية، وتخلو المناهج التعليمية من الإشارة إلى مفاهيم التربية الجنسية والصحة الإنجابية، بسبب العادات والتقاليد التي تفرض صيرورتها على الحوار العلمي البناء، الذي يهدف إلى تعزيز الوعي، وتشكيل ثقافة الجنسين الصحيحة ذات العلاقة.
وعند غياب هذه المعلومات وشحها يقوم الكثير بنقل المعلومات الخاطئة والتي تكون مصدرها في كثير من الأحيان “الروايات الشعبية” التقليدية، التي تخلو من الروايات والحقائق العلمية الصحيحة والمثبتة، وخاصة فيما يتعلق بمواضيع الخصوبة، وتأثير السلوكيات الخاطئة على صحة الشريك، واستخدام بعض الأعشاب الضارة “المستخدمة في زيادة الخصوبة” حسب تعبيرهم، إلا أنها تضر ولا تنفع، ولكن المعلومات التاريخية المروية شعبيًا تأخذ طابع عالي من التصديق لدى الرجال أنفسهم، وذلك لعدة أسباب أيضًا؛ من الممكن أن يتعلق الأمر بمفاهيم “الرجولة” لديهم من عدم مراجعة العيادات الطبية التي تعالج الأمراض ذات العلاقة، وخوفًا من الوصمة الاجتماعية التي يطلقها أفراد المجتمع على الرجال التي تجعل الرجال يسعوّن إلى تصديق الروايات الشعبية، وتناول العديد من الأعشاب والأدوية غير الطبية.
وسبب الوصمة ومفاهيم الرجولة تحيلنا إلى سبب آخر ذات علاقة وهي الأدوارالاجتماعية الملقاة على عاتق الرجال لكي يصبحوا رجالًا في المجتمع؛ فالأدوار هذه ومفهوم الرجولة والذكورة من قبل الرجال والنساء، تجعل من الرجال يتنحون عن البوح في المشاكل الإنجابية والجنسية التي تواجههم، حيث أن مفهوم “أنت زلمة” تجعل من الرجل يصمت وإن كان لديهِ العديد من المشاكل، ومفهوم “الرغبة الجنسية” لدى الرجال وحدهم تجعل من الرجل يصمت وإن كان يواجه الضعف الجنسي، ويلجئ إلى كل ما ليس لهُ علاقة بالعلاج الطبي، كما أن مفهوم ” الزلمة ما يعيبه شي” تجعل من الرجل يصمت كي لا يعيبه المجتمع في رجولته والتي على أساسها يحكم المجتمع بأنه رجل من عدمه.
إن مواجهة المفاهيم الاجتماعية الخاطئة للصحة الإنجابية المتعلقة بالرجال يجب أن يتم مواجهتها وتفكيكها بالتوعية، والتدريب، وإقامة المشاريع المتعلقة بالصحة الجنسية والانجابية، من أجل زيادة وعي المجتمع، والرجال والنساء، وتنشئتهم لأطفالهم الذكور والإناث، والتحدث معهم حول مواضيع التربية الجنسية والانجابية، وهذا الحديث يحيلنا إلى أنه من الضروري مراجعة المناهج التعليمية والإشارة إلى المواضيع ذات العلاقة من أجل زيادة الوعي فيما بينهم.