إن الحديث عن الجنس، والمقصود هنا اطلاع الفرد على كافة المعلومات التي يحتاجها ليكون سويا ونافعا للمجتمع محدود وخجول جدا، حيث يقتصر على بعض المعلومات البسيطة التي تتعلق بالتركيب الفسيولوجي للجسم والجهاز والتناسلي والتي تتناولها المناهج المدرسية في مرحلة متأخرة، حيث يفترض أن يبدأ تثقيف الأفراد بطبيعة جسمهم وكيفية التعامل معه بداية من سن الخامسة، أما باقي عناصر الثقافة الجنسية وأبرزها الأمراض والاعتلالات الخلقية أو المكتسبة التي تصيب الجهاز التناسلي وكذلك الأمراض المنقولة جنسيا فإن الحديث عنها محظور ومحاط بعلامات استفهام كثيرة، سواء تم الحديث في النقاشات العامة أو الإعلام أو المناهج التعليمية، الأمر الذي يجعل الأفراد ينمون وهم يجهلون أجسامهم وغير قادرين على التمييز بين التغيرات الطبيعية المرافقة للنمو الجسدي خلال المراحل العمرية المختلفة والعلامات المبكرة لأمراض جنسية بعضها قابل للعلاج، ويمكن الشفاء التام من بعضها عند تلقي العلاج المبكر.
بشكل عام فإن المرض الجسدي يؤثر على الحياة الجنسية وقد يؤثر على الزواج، حتى لو لم يكن المرض جنسيا أو له تأثير مباشر على قدرة الفرد الجنسية، فعلى سبيل المثال فإن الأمراض المزمنة كقصور الكلى، والأمراض الجلدية، وأمراض الجهاز التنفسي قد تؤثر جميعها على الحياة الجنسية، ويصبح الأمر أكثر تعقيدا حين يكون المرض مرتبطا بتكوين الجهاز التناسلي أو منقولا جنسيا، حيث عادة ما يهمل الذكور والإناث هذه الأمراض ولا يسعون لطلب العلاج خوفا من الشعور بالانتقاص، ونظرة المجتمع وتعامله مع المريض الذي قد يصل حد تجنبه وإقصاءه ووصمة.
خلال عملي كطبيبة ألاحظ أن الفتيات والنساء يهملن المشاكل المتعلقة بالدورة الشهرية أو التهابات الجهاز التناسلي، أو فرط التعرق وصولا الى النزيف المهبلي، وقد تؤخر الفتيات اللجوء للعلاج لما بعد الزواج فقط، وذلك لعدة أسباب، أهمها الاعتقاد بأن هذه المشاكل والأمراض تؤثر على فرصهن بالزواج والإنجاب، إضافة إلى ذلك فإن هناك تخوف كبير ورهبة من العلاجات التي تخص الجهاز التناسلي ولا سيما الإجراءات الجراحية، وأذكر هنا طفلة ذات أربعة عشر عاما حضرت للمستشفى برفقة والدتها بسبب معانتها من السمنة المفرطة التي بدأت عندما وصلت سن البلوغ، وبعد التصوير التلفزيوني تبين أن الفتاة لديها مشكلة منذ الولادة حيث لا يمكنها التخلص من دم الطمث شهريا، الأمر الذي أدى لتراكمه داخل الرحم، وعند إخبار الوالدة بضرورة إجراء شق جراحي في “غشاء البكارة ” رفضت علاج ابنتها، وغادرت المستشفى مسرعة تاركة مصير الطفلة مجهولا.
كذلك يخاف الإناث والذكور على حد سواء من رده فعل الشريك التي قد تصل لطلب الطلاق أو الانفصال أو التشهير في حال أخبر الفرد شريكه بحمله لمرض منقول جنسيا، وغالبا ما تحتاج الأمراض المنقولة جنسيا لعلاج الطرفين، المريض أو حامل المرض والسليم، وقد يحتاج الطرفين للالتزام بالعلاج لمدة طويلة، وينطبق هذا على الكثير من الأمراض الجنسية ومنها أمراض بسيطة وقابلة للشفاء في حال التزام الطرفين بالعلاج مثل الفطريات، ولكن وبسبب الجهل فإن الطرف السليم قد يشعر بالخوف من وصم المجتمع وبضرورة الالتزام بتلقي علاج لا يحتاجه وبالخطر على صحته، وبالنهاية يؤدي تكتم الشركاء لتوسيع دائرة العدوى وقد يزيد من حالات الطلاق.
إن تكتم المريض بمرض منقول جنسيا قد يعرض الأشخاص حوله كأفراد عائلته للخطر، حيث إن الأمراض المنقولة جنسيا لا تنتقل بالاتصال الجنسي المباشر فقد، بل تنتقل أيضا عن طريق سوائل وإفرازات الجسم، وهناك عدة حالات سجلت في القطاع الصحي لانتقال العدوى من المريض لأحد أفراد الطاقم الطبي المعالج لأنه أخفى حقيقة مرضه.. إضافة لما سبق فإن الجهل ومحدودية الثقافة الجنسية تزيد من عرضة الأصحاء للأمراض والمخاطر، سواء كانوا غير متزوجين أو متزوجين، كحمل المراهقات خارج إطار الزواج، وإجهاضهن لأنفسهن بطرق قد تكون غير آمنة، وتعرض النساء للنزيف والأذى الجسدي كتمزق الأنسجة بعد الزواج “ليلة الدخلة”، حيث تصل هذه الحالات للمستشفى باستمرار، وقد وصلتني في إحدى المرات مريضة تعرضت لنزيف حاد وتمزق في الأنسجة للجهاز التناسلي السفلي في ليلة الدخلة، ومكثت في المستشفى عدة أيام لتتعافى.
إضافة لما سبق فإن محدودية الخدمات الصحية وكذلك ثقافة الطاقم الصحي فيما يتعلق بالأمراض الجنسية يشكلان معيقا أساسيا لنشر الوعي وتلقي العلاج، حيث يتوفر علاج الكثير من الأمراض الجنسية في مركز واحد في كل محافظة، مما يضطر سكان القرى والبلدات للتوجه للمدينة، الأمر الذي يزيد من تكلفة العلاج وقد يقلل من خصوصيته، خاصة بالنسبة للفتيات اللواتي قد يحتجن مبررا أو مرافقة أحد أفراد العائلة لزيارة المدينة، ويتوفر علاج بعض الأمراض الجنسية خاصة الخطرة كالإيدز في رام الله فقط، الأمر الذي يجعل العلاج مكلفا ويحتاج وقت، ويحد من الوصول له لبعد المسافة والظروف الأمنية في الضفة الغربية. كذلك فإن الثقافة البيروقراطية لمراكز الأمراض الجنسية تحد من قدرة المرضى على تلقي العلاج، حيث قد ترفض هذه المراكز المريض الذي يلجأ لها مباشرة، وتطلب منه الذهاب للمستشفى والحصول على حوالة من الطبيب، وأحيانا ما يتعرض الطبيب الذي يحول مريضا لمراكز العلاج الخاصة بالأمراض الجنسية للمسائلة عن سبب التحويل ومبرراته، وقد تكون هذه التعقيدات ناجمة عن حساسية المجتمع حيث قد يتعرض الطبيب للأذى من المريض أو عائلته في حال حول شخصا سليما لمركز خاص للأمراض الجنسية مثلا، وبناء على ما سبق فإننا نحتاج لتطوير المنظومة الصحية وكذلك تعزيز ثقافة المجتمع، وهذا يحتاج لجهد شمولي ولنفس طويل لتغيير ثقافة المجتمع والحفاظ على صحته وسلامته.